الرقابة على دستورية القوانين
القاضي حسن حسين جواد الحميري
اتخذت الدساتير مواقف مختلفة من الرقابة على دستورية القوانين وهذه الرقابة تستمد شرعيتها من مبدا سيادة الدستور وسموه والرقابة في هذا المجال نوعان اذ هناك رقابة سياسية ورقابة قضائية اما الرقابة السياسية فتعهد بالعناية بالدستور والمحافظة عليه الى هيئة سياسية تحدد فيما اذا كان قانونا ما موافقا للدستور من عدمه وهي في عملها هذا تكون لها سلطة اعلى من السلطة التشريعية بل وتتضمن الرقابة عليها وكذلك على الجهة التي اقترحتها قد تكون السلطة التنفيذية .وبالتالي تكون هذه الهيئة هي التي تقرر دستورية قانون ما من عدمه او بعبارة ادق وجوب اتباعه والعمل به من عدم ذلك وغالبا ما تكون هذه الهيئة تابعا للبرلمان اما فيما يتعلق بالرقابة القضائية على دستورية القوانين فانها تجد لها انصار كثيرون حيث ان القاضي يعمل دائما على تطبيق القوانين تطبيقا سليما وعادلا بين الافراد وعليه فمن باب اولى وبحكم تركيبه الفني والمهني ودقة الاجراءات القضائية وعلانية الجلسات والحق في ابداء الدفوع ومناقشتها وما يتمخض عن ذلك من صدور قرار المحكمة مؤسس على الاسباب التي دعتها الى الاقرار بدستورية هذا القانون او عدم دستوريته فان القاضي هو الاقدر على ملاحظة انسجام القانون مع الدستور وعدم تعارضه معه فتكون صلاحية الرقابة على اعمال السلطة التشريعية وعدم تجاوزها حدودها الدستورية من قبل القضاء هي الافضل وهناك راي يذهب بخلاف ذلك يرى اعطاء هذه الصلاحية للقضاء في مراقبة اعمال السلطة التشريعية يجعل منه سلطة سياسية ذات تاثير واسع.بل ان هناك من الدساتير ما يجعل هذا الطريق وعرا لا يستطيع سلوكه الا السلطة السياسية.و الرقابة القضائية اتخذت اتجاهين في هذا المجال الاتجاه الاول هو ان يكون الطعن عن طريق الدعوى المباشرة امام محكمة التمييز أي اعلى محكمة في البلاد لتتخذ القرار دستورية او عدم دستورية القانون موضوع الطعن وهذا الطريق يسمى بالدعوى المباشرة اي (دعوى الالغاء) ويكون ذلك بواسطة احد الافراد او مجموعة محددة منهم او بعض السلطات المحددة في الدستور او التي لها الحق في تقديم الطعن وسواء كان الطعن يتعلق بمخالفة القانون للدستور الاتحادي او لدستور الولاية وهناك اتجاه اخر قد اخذ بتعيين محاكم دستورية يطعن امامها بعدم دستورية القانون وهي ليست محكمة قضائية بل محكمة دستورية تؤلف بطريقة خاصة ويحق للمحكمة القضائية العليا ومحكمة القضاء الاداري العليا ان تطعن بعدم دستورية أي قانون امامها. ويلاحظ ان الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية فقد انبثقت عن مبدا سمو الدستور ومبدا كون القاضي هو المسؤول عن تطبيق القانون الاعلى درجة في حالة حصول تنازع بين القوانين واخذت الدساتير الامريكية بطريق الدفع بعدم دستورية القانون اثناء نظر الدعوى ويكون الدفع بعدم الدستورية امام محكمة الولاية او امام المحكمة الاتحادية ويمكن للخصم المتضرر من الدفع بعدم الدستورية امام القضاء العادى ان يطعن بهذا القرار امام المحكمة الدستورية او المحكمة القضائية العليا وفي هذه الحالة فان حكم القاضي لا يلغي النص الدستوري او القانوني ولا يكون ملزما الا لطرفي الدعوى بل حتى المحكمة التي اصدرته غير ملزمة باصدار ذات القرار في وقائع مشابهة .ويلاحظ ان القضاء الامريكي قد تميز عن غيره حيث انه لم يكتفي بتطبيق الدفع بعدم الدستورية اثناء نظر الدعوى من قبل الخصوم اذ وسع من نطاق رقابته ليتحقق من هذا الامر اذا ما دفع أي مواطن بعدم دستورية اي قانون مستندا في ذلك الى فكرة ان الاصل في القوانين هي حماية حريات المواطنين فاذا لم يوفر القانون هذا الضمان فيمكن الدفع بعدم دستوريته من قبل الافراد كما اخذ القضاء الامريكي بمعيار التوازن والحكمة وهو يراقب دستورية القوانين فالتوازن بين مصلحة الفرد والمجموع هي معيار كون القانون عادلا فاذا فقد معيار التوازن والحكمة كان القانون غير دستوريا كذلك فان هذا القضاء يسمع الدفوع التي تتعارض مع الحريات الفردية باعتبارها قوانين غير دستورية وكذلك اكد على تكريس مبدا الجميع متساوون امام القضاء اضافة لذلك فان هذا القضاء لديه طريق اخر يسمى بالطريق الوقائي في ممارسته لرقابته الدستورية حيث بامكان كل مواطن يتعرض لاجراء غير دستوري استحصال القرار منه بعدم دستوريته كمنع موظف من اتخاذ اجراء معين او استحصال ضريبة او اعادة الاموال التي استلمها قبل صدور هذا القرار كذلك هناك نوع اخر من الرقابة القضائية في هذه البلاد متمثلا باصدار الاحكام التي تصرح بدستورية قانون ما من عدمه عندما ينشئ خلاف بين الافراد او بين الافراد و السلطات العامة.وهناك من الدساتير قد اوجب ان تكون هناك مصلحة للطاعن ومنها من لم يستوجب ذلك وهناك دساتير اخرى قد منع الافراد بالطعن بعدم دستورية القوانين حيث تصبح الرقابة الدستورية طريقة لفض المنازعات بين مؤسسات السلطة العامة .اذ جعل استخدامه حصريا بها ولا يمكن للمواطن العادى الانتفاع به فالغرض من النص علية هو لتحقيق الاغراض السياسية وغير السياسية لها ومن امثلة ذلك ما تضمنه القانون الاساسى فى العهد الملكى عندما نص على انشاء محكمة دستورية اسماها بالمحكمة العليا اذ نصت المادة 81 منه على ما يلي (تؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء واعضاء مجلس الامة المتهمين بجرائم سياسية او بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة من وظائفهم وللبت في الامور المتعلقة بتفسير هذا القانون وموافقة القوانين الاخرى لاحكامهم ) وتالفت من ثمانية اعضاء اربعة منهم من حكام محكمة التمييز واربعة اخرين من مجلس الاعيان ويراسهم رئيس مجلس الاعيان او نائبه وفي حالة عدم انعقاد مجلس الامة اما في حالة انعقاده فتنعقد هذه المحكمة من اعضاء مجلس الامة بالعدد المذكور اعلاه مع اربعة من كبار محكمة التمييز او من كبار الحكام ويكون تشكيلها على الوجه المذكور بقرار من مجلس الوزراء وارادة ملكية ويصدر قرارها باغلبية ثلثي اعضائها ويكون قرارها قطعيا ونافذا من تاريخ صدوره وملزما للجميع اى ان الغلبة فى تشكيله الى اعضاء مجلس الاعيان والمحكمة المذكورة لم تبت الا بقضية واحدة طيلة فترة انشائها عندما قضت بعدم دستورية قانون منع الدعايات المضرة في 7/5/1938 لمخالفة بعض مواده للدستور ولم يمارس القضاء العادي الرقابة على دستورية القوانين في ظل القانون الاساسي وغنى عن القول ان اعضاء مجلس الاعيان هم معينين من قبل السلطة التنفيذية وموالين لها فى الميول والاتجاهات ولا يستطيعون الخروج عن دائرة رغباتها ومقاصدها لانها هى صاحبة الفضل فى وصولهم الى هذا المكان واذا تعارض رأيه معها فيكون قد غامر بمستقبله فى العوده الى مركزه فى مجلس الاعيان اذ سوف يعاقب بعدم تعينه عضوا فى مجلس الاعيان فى الدورات القادمة.كما ان هذه المحكمة تعتبر مؤقتة ولا تنعقد الا بموافقة مجلس الوزراء و ارادة ملكية ولا يمكن لها ممارسة اختصاصها الا بعد الاحالة عليها من قبل مجلس النواب او مجلس الاعيان او بقرار من مجلس الوزراء ولابد من اقتران موافقة المجلس الاخير بقرار احد مجلسي الامة (الاعيان او النواب) أي ان الطعن لابد من ان يمر بموافقة مجلس الوزراء الذى يرفع الطعن الى مجلس الاعيان للموافقه وتعين الاعضاء والرئيس منه .كما ان غالبية اعضاء مجاس الاعيان ليست لديهم ثقافة قانونية وعليه ليس للمواطن فى ظل القانون الاساسى ان يدفع بعدم دستورية اى قانون امام القضاء سواء باقامة دعوى مباشرة يطعن فيها بعدم دستورية قانون ما او الدفع بعدم دستورية القانون اثناء نظر الدعوى.اما الدساتير المؤقتة في العهد الجمهوري فلم تكترث بموضوع الرقابة على دستورية القوانين بحجة انها قوانين مؤقتة وان السلطات الحاكمة انذاك كانت توعد بالنص عليها بالدستور الدائم الذي لم يظهر رغم مرور ما يقارب اربعة عقود على ظهور هذا العهد ولم يستطع الفقه ان يتعرض لهذا الامر وتلاحظ عند قرائتك لتعليقات فقهاء القانون الدستوري حول هذه المساله يكتنفها الغموض ومؤطرة بمجاملة السلطات الحاكمة اما فيما يتعلق بالقضاء فكان ممنوع عليه بالنظر في هذا الموضوع والتطرق اليه لا من قريب ولا من بعيد واذا ما تعرض قاض ما الى مثل هذا الامر فمصيره العزل. وظلت السلطة التنفيذية هي اقوى سلطة خاصة بعد ان اضافت اليها صلاحيات السلطة التشريعية واصبحت تقوم بالمهمتين معا مما اعدم كل رقابة دستورية بل واكثر من ذلك ورغم ان للمحاكم الولاية العامة الا ان السلطات الحاكمة في تلك الفترة قد منعتها من النظر بالدعاوى الخاصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الري وكل عمل يعتبر من اعمال السيادة والحكم اما الدستور الجديد لجمهورية العراق فقد اشار للسلطة القضائية في المواد 87الى 101 وقد نص على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب م 92 اما المادة 93 منه فقد نص على اختصاصات هذه المحكمة وذلك بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشا عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشان من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة كذلك لهذه المحكمة الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية كذلك لها الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقاليم او المحافظات والفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون وكذلك لها المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب كذلك الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المتظمة في اقليم كذلك الفصل في تنازع الاختصاص ما بين الهيئات القضائية للاقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم وتكون قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة ويلاحظ من الاختصاصت التي ذكرناها اعلاه والخاصة بالمحكمة الاتحادية العليا والتي تعتبر هي المحكمة الدستورية بموجب الدستور الجديد ان الحق في الطعن بدستورية القوانين وتفسيرها والرقابة عليها منوط بها حصرا وليس هناك الحق بالدفع بعدم دستورية أي قانون اما اية محكمة اخرى سواها . وهناك من الدساتير من ياخذ بطريق الدفع بعدم دستورية القوانين امام القضاء العادى من قبل اى مواطن اثناء نظر الدعوى فاذا ما اقتنع القاضى ان القانون مخالف للدستور فانه يمتنع عن تطبيق القانون لعدم دستوريتة. ونرى ان اعطاء حق الدفع بعدم دستورية القوانين للمواطن العادى امام القضاء العادى واثناء نظر الدعوى هو الضمانة الدستوريه الافضل وتغنيه عن مراجعة المحكمة الدستورية التى ربما تكون فى مكان بعيد عن محل اقامته وغالبا ما تكون فى العاصمة وما يتطلب ذلك من وقت وجهد ونفقات. والى موضوع اخر والله ولي التوفيق.
القاضي حسن حسين جواد الحميري
القاضي حسن حسين جواد الحميري
اتخذت الدساتير مواقف مختلفة من الرقابة على دستورية القوانين وهذه الرقابة تستمد شرعيتها من مبدا سيادة الدستور وسموه والرقابة في هذا المجال نوعان اذ هناك رقابة سياسية ورقابة قضائية اما الرقابة السياسية فتعهد بالعناية بالدستور والمحافظة عليه الى هيئة سياسية تحدد فيما اذا كان قانونا ما موافقا للدستور من عدمه وهي في عملها هذا تكون لها سلطة اعلى من السلطة التشريعية بل وتتضمن الرقابة عليها وكذلك على الجهة التي اقترحتها قد تكون السلطة التنفيذية .وبالتالي تكون هذه الهيئة هي التي تقرر دستورية قانون ما من عدمه او بعبارة ادق وجوب اتباعه والعمل به من عدم ذلك وغالبا ما تكون هذه الهيئة تابعا للبرلمان اما فيما يتعلق بالرقابة القضائية على دستورية القوانين فانها تجد لها انصار كثيرون حيث ان القاضي يعمل دائما على تطبيق القوانين تطبيقا سليما وعادلا بين الافراد وعليه فمن باب اولى وبحكم تركيبه الفني والمهني ودقة الاجراءات القضائية وعلانية الجلسات والحق في ابداء الدفوع ومناقشتها وما يتمخض عن ذلك من صدور قرار المحكمة مؤسس على الاسباب التي دعتها الى الاقرار بدستورية هذا القانون او عدم دستوريته فان القاضي هو الاقدر على ملاحظة انسجام القانون مع الدستور وعدم تعارضه معه فتكون صلاحية الرقابة على اعمال السلطة التشريعية وعدم تجاوزها حدودها الدستورية من قبل القضاء هي الافضل وهناك راي يذهب بخلاف ذلك يرى اعطاء هذه الصلاحية للقضاء في مراقبة اعمال السلطة التشريعية يجعل منه سلطة سياسية ذات تاثير واسع.بل ان هناك من الدساتير ما يجعل هذا الطريق وعرا لا يستطيع سلوكه الا السلطة السياسية.و الرقابة القضائية اتخذت اتجاهين في هذا المجال الاتجاه الاول هو ان يكون الطعن عن طريق الدعوى المباشرة امام محكمة التمييز أي اعلى محكمة في البلاد لتتخذ القرار دستورية او عدم دستورية القانون موضوع الطعن وهذا الطريق يسمى بالدعوى المباشرة اي (دعوى الالغاء) ويكون ذلك بواسطة احد الافراد او مجموعة محددة منهم او بعض السلطات المحددة في الدستور او التي لها الحق في تقديم الطعن وسواء كان الطعن يتعلق بمخالفة القانون للدستور الاتحادي او لدستور الولاية وهناك اتجاه اخر قد اخذ بتعيين محاكم دستورية يطعن امامها بعدم دستورية القانون وهي ليست محكمة قضائية بل محكمة دستورية تؤلف بطريقة خاصة ويحق للمحكمة القضائية العليا ومحكمة القضاء الاداري العليا ان تطعن بعدم دستورية أي قانون امامها. ويلاحظ ان الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية فقد انبثقت عن مبدا سمو الدستور ومبدا كون القاضي هو المسؤول عن تطبيق القانون الاعلى درجة في حالة حصول تنازع بين القوانين واخذت الدساتير الامريكية بطريق الدفع بعدم دستورية القانون اثناء نظر الدعوى ويكون الدفع بعدم الدستورية امام محكمة الولاية او امام المحكمة الاتحادية ويمكن للخصم المتضرر من الدفع بعدم الدستورية امام القضاء العادى ان يطعن بهذا القرار امام المحكمة الدستورية او المحكمة القضائية العليا وفي هذه الحالة فان حكم القاضي لا يلغي النص الدستوري او القانوني ولا يكون ملزما الا لطرفي الدعوى بل حتى المحكمة التي اصدرته غير ملزمة باصدار ذات القرار في وقائع مشابهة .ويلاحظ ان القضاء الامريكي قد تميز عن غيره حيث انه لم يكتفي بتطبيق الدفع بعدم الدستورية اثناء نظر الدعوى من قبل الخصوم اذ وسع من نطاق رقابته ليتحقق من هذا الامر اذا ما دفع أي مواطن بعدم دستورية اي قانون مستندا في ذلك الى فكرة ان الاصل في القوانين هي حماية حريات المواطنين فاذا لم يوفر القانون هذا الضمان فيمكن الدفع بعدم دستوريته من قبل الافراد كما اخذ القضاء الامريكي بمعيار التوازن والحكمة وهو يراقب دستورية القوانين فالتوازن بين مصلحة الفرد والمجموع هي معيار كون القانون عادلا فاذا فقد معيار التوازن والحكمة كان القانون غير دستوريا كذلك فان هذا القضاء يسمع الدفوع التي تتعارض مع الحريات الفردية باعتبارها قوانين غير دستورية وكذلك اكد على تكريس مبدا الجميع متساوون امام القضاء اضافة لذلك فان هذا القضاء لديه طريق اخر يسمى بالطريق الوقائي في ممارسته لرقابته الدستورية حيث بامكان كل مواطن يتعرض لاجراء غير دستوري استحصال القرار منه بعدم دستوريته كمنع موظف من اتخاذ اجراء معين او استحصال ضريبة او اعادة الاموال التي استلمها قبل صدور هذا القرار كذلك هناك نوع اخر من الرقابة القضائية في هذه البلاد متمثلا باصدار الاحكام التي تصرح بدستورية قانون ما من عدمه عندما ينشئ خلاف بين الافراد او بين الافراد و السلطات العامة.وهناك من الدساتير قد اوجب ان تكون هناك مصلحة للطاعن ومنها من لم يستوجب ذلك وهناك دساتير اخرى قد منع الافراد بالطعن بعدم دستورية القوانين حيث تصبح الرقابة الدستورية طريقة لفض المنازعات بين مؤسسات السلطة العامة .اذ جعل استخدامه حصريا بها ولا يمكن للمواطن العادى الانتفاع به فالغرض من النص علية هو لتحقيق الاغراض السياسية وغير السياسية لها ومن امثلة ذلك ما تضمنه القانون الاساسى فى العهد الملكى عندما نص على انشاء محكمة دستورية اسماها بالمحكمة العليا اذ نصت المادة 81 منه على ما يلي (تؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء واعضاء مجلس الامة المتهمين بجرائم سياسية او بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة من وظائفهم وللبت في الامور المتعلقة بتفسير هذا القانون وموافقة القوانين الاخرى لاحكامهم ) وتالفت من ثمانية اعضاء اربعة منهم من حكام محكمة التمييز واربعة اخرين من مجلس الاعيان ويراسهم رئيس مجلس الاعيان او نائبه وفي حالة عدم انعقاد مجلس الامة اما في حالة انعقاده فتنعقد هذه المحكمة من اعضاء مجلس الامة بالعدد المذكور اعلاه مع اربعة من كبار محكمة التمييز او من كبار الحكام ويكون تشكيلها على الوجه المذكور بقرار من مجلس الوزراء وارادة ملكية ويصدر قرارها باغلبية ثلثي اعضائها ويكون قرارها قطعيا ونافذا من تاريخ صدوره وملزما للجميع اى ان الغلبة فى تشكيله الى اعضاء مجلس الاعيان والمحكمة المذكورة لم تبت الا بقضية واحدة طيلة فترة انشائها عندما قضت بعدم دستورية قانون منع الدعايات المضرة في 7/5/1938 لمخالفة بعض مواده للدستور ولم يمارس القضاء العادي الرقابة على دستورية القوانين في ظل القانون الاساسي وغنى عن القول ان اعضاء مجلس الاعيان هم معينين من قبل السلطة التنفيذية وموالين لها فى الميول والاتجاهات ولا يستطيعون الخروج عن دائرة رغباتها ومقاصدها لانها هى صاحبة الفضل فى وصولهم الى هذا المكان واذا تعارض رأيه معها فيكون قد غامر بمستقبله فى العوده الى مركزه فى مجلس الاعيان اذ سوف يعاقب بعدم تعينه عضوا فى مجلس الاعيان فى الدورات القادمة.كما ان هذه المحكمة تعتبر مؤقتة ولا تنعقد الا بموافقة مجلس الوزراء و ارادة ملكية ولا يمكن لها ممارسة اختصاصها الا بعد الاحالة عليها من قبل مجلس النواب او مجلس الاعيان او بقرار من مجلس الوزراء ولابد من اقتران موافقة المجلس الاخير بقرار احد مجلسي الامة (الاعيان او النواب) أي ان الطعن لابد من ان يمر بموافقة مجلس الوزراء الذى يرفع الطعن الى مجلس الاعيان للموافقه وتعين الاعضاء والرئيس منه .كما ان غالبية اعضاء مجاس الاعيان ليست لديهم ثقافة قانونية وعليه ليس للمواطن فى ظل القانون الاساسى ان يدفع بعدم دستورية اى قانون امام القضاء سواء باقامة دعوى مباشرة يطعن فيها بعدم دستورية قانون ما او الدفع بعدم دستورية القانون اثناء نظر الدعوى.اما الدساتير المؤقتة في العهد الجمهوري فلم تكترث بموضوع الرقابة على دستورية القوانين بحجة انها قوانين مؤقتة وان السلطات الحاكمة انذاك كانت توعد بالنص عليها بالدستور الدائم الذي لم يظهر رغم مرور ما يقارب اربعة عقود على ظهور هذا العهد ولم يستطع الفقه ان يتعرض لهذا الامر وتلاحظ عند قرائتك لتعليقات فقهاء القانون الدستوري حول هذه المساله يكتنفها الغموض ومؤطرة بمجاملة السلطات الحاكمة اما فيما يتعلق بالقضاء فكان ممنوع عليه بالنظر في هذا الموضوع والتطرق اليه لا من قريب ولا من بعيد واذا ما تعرض قاض ما الى مثل هذا الامر فمصيره العزل. وظلت السلطة التنفيذية هي اقوى سلطة خاصة بعد ان اضافت اليها صلاحيات السلطة التشريعية واصبحت تقوم بالمهمتين معا مما اعدم كل رقابة دستورية بل واكثر من ذلك ورغم ان للمحاكم الولاية العامة الا ان السلطات الحاكمة في تلك الفترة قد منعتها من النظر بالدعاوى الخاصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الري وكل عمل يعتبر من اعمال السيادة والحكم اما الدستور الجديد لجمهورية العراق فقد اشار للسلطة القضائية في المواد 87الى 101 وقد نص على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب م 92 اما المادة 93 منه فقد نص على اختصاصات هذه المحكمة وذلك بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشا عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشان من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة كذلك لهذه المحكمة الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية كذلك لها الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الاقاليم او المحافظات والفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون وكذلك لها المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب كذلك الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المتظمة في اقليم كذلك الفصل في تنازع الاختصاص ما بين الهيئات القضائية للاقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم وتكون قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة ويلاحظ من الاختصاصت التي ذكرناها اعلاه والخاصة بالمحكمة الاتحادية العليا والتي تعتبر هي المحكمة الدستورية بموجب الدستور الجديد ان الحق في الطعن بدستورية القوانين وتفسيرها والرقابة عليها منوط بها حصرا وليس هناك الحق بالدفع بعدم دستورية أي قانون اما اية محكمة اخرى سواها . وهناك من الدساتير من ياخذ بطريق الدفع بعدم دستورية القوانين امام القضاء العادى من قبل اى مواطن اثناء نظر الدعوى فاذا ما اقتنع القاضى ان القانون مخالف للدستور فانه يمتنع عن تطبيق القانون لعدم دستوريتة. ونرى ان اعطاء حق الدفع بعدم دستورية القوانين للمواطن العادى امام القضاء العادى واثناء نظر الدعوى هو الضمانة الدستوريه الافضل وتغنيه عن مراجعة المحكمة الدستورية التى ربما تكون فى مكان بعيد عن محل اقامته وغالبا ما تكون فى العاصمة وما يتطلب ذلك من وقت وجهد ونفقات. والى موضوع اخر والله ولي التوفيق.
القاضي حسن حسين جواد الحميري