المقـدمـة
عقود نقل التكنولوجيا من العقود المستحدثة ، و هي نتيجة الزيادة المطردة في العلاقات الاقتصادية الدولية و عبور الاستثمارات حدود الدول و هي كذلك في المجال القانوني الوطني و الدولي . لذا يعتبر عقد نقل التكنولوجيا من العقود ذات الطابع التجاري الدولي أي انه ينتقل عبر حدود الدولة ، فاصبحت التجارة الدولية تحتل مركز الصدارة في العلاقات الدولية الحديثة وهي المحور الاساسي الذي تدور حوله هذه العلاقات ، مما جعل التعامل التجاري على الصعيد الدولي يترتب عليه نشوء علاقات تعاقدية ذات عنصر اجنبي تخضع للقانون الدولي الخاص ، تقوم على اساس ارادة الاطراف استنادا الى مبدأ سلطان الارادة وحرية المتعاقدين في تحديد الشروط اللازمة لابرام هذا العقد . كما إن التكنولوجيا أصبحت تحظي باهتمام جميع الدول في عصرنا على اختلاف درجات نموها، وعلى الرغم من اختلاف مرامي تلك الدول، فإنها تبدو متفقة على أن العلم والتكنولوجيا هما الأداتان الأكثر فعالية لتحقيق أهدافها ، لذا تتضمن هذه العقود الدولية و منها عقد نقل التكنولوجيا على التزامات متبادلة بين طرفي العقد مما يتررتب على اخلال احد اطراف العقد بالتزامته او الاخلال بشروط العقد على نشوء منازعات بين اطراف العقد و لابد من حسم هذه النزاعات بصورة قانونية لأضفاء صفة الاستقرار على مثل هذه العقود ، حيث ان بقاء مثل هذه النزاعات دون الفصل بها الى عزوف الدولة الموردة و المصدرة للتكنولوجيا عن ابرام مثل هذه العقود لأهميتها على كل من الطرف المورد و الطرف المصدر للتكنولوجيا ، وغالبا ما تحصل هذه المنازعات اثناء البدء بتنفيذ العقد وفق للاجراءات المتفق عليها بين اطرافه ، وعادة يتم اللجوء الى المحاكم الاجنبية اذ اتفق اطراف العقد عليها لحسم النزاع وعدم استمراره لفترة طويلة ، او يتفقوا على اللجوء الى هيئة تحكمية لحسم النزاع . اضافة الى ذلك ان التحكيم يستند بالدرجة الاولى على ارادة الاطراف فهم الذين يختارون الاشخاص الذين يتولون مهمة التحكيم . ويصدر الحكم لمصلحة احد طرفي النزاع سواء كان للطرف المورد للتكنولوجيا ام المستورد لها وسواء كان الحكم صادر من محكمة اجنبية ام من هيئة تحكيمية متفق عليها ، وعند صدور الحكم الذي به يحسم النزاع يرتب اثار تنصرف الى كل من الطرفين و الى قضائهما الوطني – القضاء العادي لكل من الدولة المـــــوردة و المستوردة للتكنولوجيا – حيث يلعـــب القـــضاء الوطنـــي لأحــــد الاطراف او لكـــليهـــما دورا بارزا فــــــي نفــــــاذ الحكـــم مــن هيئة تحكيمية داخل قانونها الوطني و الذي هو موضوع دراستنا في هذا البحث و الذي سنعرض فيه دور القضاء الوطني في تنفيذ الاحكام الصادرة خارج حدود الدولة و التي هي احد اطراف النزاع في عقود نقل التكنولوجيا سواء كان عقد نقل معرفة فنية ام عقد مساعدة تقنية ام سائر العقود االاخرى كعقد الترخيص ، و عقد تسليم المفتاح ، و عقد تسليم الانتاج ،و عقد تسويق الانتاج .
والله ولي التوفيق ...
مشكلة البحث
يحاول الباحث في دراسة هذا الموضوع على بيان دور القضاء الوطني للدولة التي هي طرف في نزاع ناشأ عن عقود نقل التكنولوجيا من تنفيذ الحكم الاجنبي على اقليمها و مايترتب من اثار نتيجة لتنفيذ الحكم في اقليمها .
عناصر مشكلة البحث
يحرص الباحث مـن خلال دراسـة هذا الموضوع علــى الاجابة على التساؤلات التاليــة :-
1- كيف يتم تنفيذ الاحكام الاجنبية و احكام التحكيم على اقليم الدولة التي هي طرف في عقد نقل التكنولوجيا الذي نشأ نزاع حوله .
2- ماهو الاثر المترتب على تنفيذ الاحكام الاجنبية و احكام التحكيم في اقليم الدولة .
3- ماهي العوائق التي تواجه تنفيذ هذه الاحكام في اقليم الدولة التي هي طرف في النزاع .
4- متى يتم بطلان هذه الاحكام وعدم تنفيذها في القضاء الوطني للدولة .
اهميــة البحث :
تلعب اهمية التكنولوجيا دورا كبير على الاقتصاد الداخلي للدول النامية التي هي بحاجة ماسة للتكنولوجيا في بناء اقتصادها الوطني مما يجعل من موقف يقبل بكل ما تشرطه الدولة الموردة للتكنولوجيا ، حيث ان النزاعات التي تنشأ بينهما تنعكس على قانون الدول المتعاقدة من خلال تنفيذ هذه الاحكام التي حسمت النزاعات و التي تصدر من محاكم اجنبية او من هيئات تحكيمية يتفق عليها الاطراف .
اهداف البحـث :
تهـدف دراسـة هـذا الموضـوع الـى عـدة نـقـاط والتـي تـتـمثل بـمـأيـلي :
1- تنفيذ الاحكام الاجنبية و احكام التحكيم في القضاء الوطني للدولة التي صدر الحكم ضدها.
2- حجية هذه الاحكام في اقليم الدولة وقضائها الوطني .
3- بيان عوائق تنفيذ هذه الاحكام واسباب بطلانها في القضاء الوطني للدولة .
خطــــة البحـث
لقد ارتأى الباحث إن يقسم هذه البحث إلى مبحثين معتمدا على المعيار الإجرائي في تقسيم البحوث وذلك على النحو التالي :
المبحث الاول : تنفيذ الحكم داخل القضاء الوطني و الاثار المترتبة عليه .
المطلب الاول : تنفيذ الحكم داخل القضاء الوطني .
المطلب الثاني : حجية الحكم و اثر تنفيذه .
المبحث الثاني :عوائق تنفيذ الحكم وبطلانه داخل القضاء الوطني .
المطلب الاول : عوائق تنفيذ الحكم في القضاء الوطني .
المطلب الثاني : بطلان الحكم التحكيمي في القضاء الوطني .
المبحث الاول
تنفيذ الحكم داخل القضاء الوطني و الاثار المترتبة عليه
يصدر الحكم المتعلق بحسم النزاعات التي تنشأ بين اطراف العقد – عقد نقل البتكنولوجيا – عن طريق هيئة تحكمية يتفق عليها اطراف العقد وديا بينهم و قد يكون هذا الاتفاق تابع للعقد الاصلي او مستقل عنه كما يأتي هذا الاتفاق عند حدوث النزاع ، و لابد من تنفيذ هذا الحكم داخل القضاء الوطني – القضاء العادي الداخلي – للدول التي هي طرف في هذا العقد ، و مايترتب على هذا التنفيذ من اثار ، وهذا ما سنتطرق اليه في هذا المبحث .
المطلب الاول : تنفيذ الحكم داخل القضاء الوطني .
للارتقاء بالحكم التحكيمي الى مصاف العمل الصادر من القضاء الوطني يجب ان يصادق عليه او يؤمر بتنفيذه و لايتم ذلك الا بعد خضوعه للرقابة من قبل الجهة المختصة و بالتالي فأن عملية التنفيذ لا تتم الا بعد اعمال هذه الرقابة ، ففي مرحلة التنفيذ يدخل التحكيم غمار مرحلة جديدة ترفع فيها يد المحكمين عن الدوى ، و في هذه المرحلة تتغير المعادلات فقبل ذلك كانت ارادة الاطراف هي الفاصل المتقدم ، اما في هذه المرحلة تتراجع ارادة الاطراف لتفسح المجال كليا للقضاء الوطني ، حيث تمارس المحكمة الرقابة على القرار التحكيمي قبل الامر بتنفيذه داخل اقليم الدولة ، لذلك تتمثل مسألة تنفيذ احكام التحكيم ابعاد هامة بالغة الدقة ، اذ تعتبر همزة الوصل بين القضاء الوطني و نظام التحكيم ، فلا شك ان القضاء الوطني يمارس دورا رقابياً فعلا قبل الامر بالتنفيذ ، وتتضاعف اهمية هذا الدور الرقابي بالنسبة للاسباب التي تمتلك المحكمة التمسك بها من تلقاء نفسها ، و هذا يعد الاساس الذي يمكن القضاء الوطني من فرض رقابته على احكام التحكيم ( ) . و لغرض تنفيذ القرار التحكيمي في الدولة – داخل قضائها الوطني – ، كانت جهود غرفة التجارة الدولية في اعداد اتفاقية نيويورك لسنة 1958 و التي دخلت حيز التنفيذ في 24 ايلول 1959 و تتكون من (16) مادة و بموجب مادتها
الاولـى فأنها تنطبق على قرارات التحكيم الصادرة في دولة و المراد تنفيذها في دولة اخرى و التي صدرت فـي نزاعات حدثـت بين اشخاص طبيعين او معنويين ، كما تنطبق على قرارات التحكيم الصادرة في دولة لا تعتبر و طنيـة بالنسبـة لهـا ، حيث بموجب هـذه الاتفاقيـة علـى طالب التنفيذ ان يقـدم طلـبا الـى الجهـة المختصـة في البلد المطلوب التنفيذ فـيه مشـفـوعا بـوثـيـقتين هما :
أ ) الاصل الرسمي لقرار التحكيم او صورته المصدقة .
ب) اصل اتفاق التحكيم او صورته ( ) .
ونـرى من خـلال هـذه الاتفاقـية ان الـقـرار الـتـحـكيمي لا يعتـبر نافـذا فـي اقلـيم الدولـة الا بنـاء علـى طلـب يقدم مـن قبـل طالـب التـنـفيذ سواء كـان طالـب التنفيذ هو الطرف المورد او المستورد للتكنولوجيا غير انـه مـن المعلوم والذي يفرضه الواقـع العملي ان طلب التنفيذ لا يكون الا من قبل الذي صـدر القرار التحكيمي الـى جانبـه باعتبـاره المستفيد الاول من هذا القرار .
ومـن المسلم به ان القرارات التحكيميـة مجردة في ذاتهـا لاتحوز القـوة التنفيذية ، فعلـى الرغم مـن ان حـكم التحكيـم يتمتع بحجيـة الشـيء المقضي بـه بمجـرد صـدوره ، فأنـه لا تكـون له القوة التنفيذيـة الا بعد صدور امر خاص من القضاء الوطني يسمى " امر التنفيذ " بمعنى انه لا يعتـبر سنـدا تنفيذيـا الا بعد صدور الامر بالتنفيـذ ووضـع الصبغـة التنفيذيـة عليه ، وهذا الاجراء يصدر من القاضي المختص قانونـا ويامر بمقتضاه بتمتع حكم المحكميـن وطنيـا كـان ام اجنبـيا بالقـوة التنفيذيـة ، فهـو يمثل نقطـة الالتقـاء بـيـن قضـاء التحكيـم والقضاء العـام ( ) .
المطلب الثاني : حجية الحكم و اثر تنفيذه .
عرجنا في ما سبق على آلية تنفيذ احكام المحكمين داخل اقليم الدولة وبينا ماهي الاجراءات المطلوبة لتنفيذ الحكم التحكيمي داخل اقليم الدولة حيث يمكن قياسا عليه خضوع الاحكام الاجنبية الى هذه الاليه و بموجب اتفاقية نيويورك لعام 1958 ، التي صادقت عليها اغلبية الدول ومنها الاردن التي صادقت عليها بتاريخ 15 / 11 / 1979 ، وبالرجوع الى قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 وبعد بيان انه القانون الافضل من اجل تطبيق احكام التحكيم الاجنبية سندا لنص المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك ، نجد انه ؛ اي قانون التحكيم الاردني قد نص في مادته الثالثة والخمسين على ان تنفيذ حكم التحكيم يتم عبر طلب يقدم الى المحكمة المختصة ، وتعريف المحكمة المختصة الوارد في المادة الثانية من ذات القانون يجعل الاختصاص بيد محكمة الاستئناف ( ) . حيث ان هذا التنفيذ له اثار معينة يستلزم توضيحها وعرضها . ومن هذه الاثار التي تترتب على تنفيذ الاحكام الاجنبية هي حجية الامر المقضي به ، وحجية الامر المقضي به هذه تختلف عن ما يسمى بقوة الأمر المقضي ، ومرد ذلك إن الحجية تثبت للحكم القطعي بمجرد صدوره سواء أكان قابلاً للطعن فيه أم لم يكن ، وأيا كان طريق الطعن الجائز فيه ، إما قوة الأمر المقضي ، فهي وصف لا يلحق إلا الإحكام الغير قابلة للطعن فيها بطرق الطعن العادية وهي المعارضة والاستئناف ، بغير ذلك فأن قوة التنفيذ فهي قابلية الحكم للتنفيذ الجبري على الأموال أو على الأشخاص بواسطة الحجية التي يناط بها التنفيذ وبمعاونة السلطات المختصة ولو يفضي ذلك إلى استعمال القوة عند اللزوم ( ) . والقوة التنفيذية للحكم تكـون مـن وقـت صـدور الأمـر بالـتـنـفـيذ لان اثر هذا الأمر بالنسبة لتلك القوة هو اثر منشئ ، هذه القوة هي ذاتها التي يتمتع بها أي حكم وطنـي وتــخضع طـرق الـتـنـفيذ وإجراءاته للقانون الوطني ويتحدد ما يجب تنفيذه وفقاً لمنطوق الحكم الأجنبي ( ) . كما يتـرتـب علـى تنـفـيذ الحكم الاجنبي تمتعه بالحصانة ضد المراجعة واعادة تقييم أدلة الاثبات فيه ( ) .
وان حجية الامر المقضي به المتعلقة بالاحكـام الاجنبية تشكل عنصرا من عناصر الاعتراف بالاحكام الاجنبية ، و لأن هناك فرقا بين الاعتراف بالاحكام الاجنبية و تنفيذهـا ، فان الحجية يجب الاعتراف بها للاحكام الاجنبية بغض النظر عن موضوعها ومن تاريخ صدورها شريطــة توافـــر الاعتـراف بـالاحكام الاجنبيــة دوليـا كشــرط صـدورها مــن محـكـمـة مخـتصـة باصدارها و لا يتم الحصول عليها بطريق التحايل و ان لاتخالف النظــــام العـــام في الدول المراد الاعتراف فيهــا بتلـك الاحــكام ( ) . كما ان حكم التحكيم القابل للتنفيذ يجب ان يكون من احكام الالتزام التي تتضمن التزاما بتنفيذ حق ، او قيام بعمل ، او الامتناع عن القيام بعمل لان هذه الاحكام لا تتحقق اهميتها في حال تعذر التنفيذ الاختياري الا بالتنفيذ الجبري الذي يتم بناء على امر صادر عن سلطة مختصة ، اما الاحكام المقررة او المنشئة للحق او المركز القانوني فلا تقبل التنفيذ الجبري لانها لم تتضمن الزاما يجبر المحكوم عليه على تنفيذه عند قيامه بذلك اختياراً و لا تحتاج للسلطة المختصة لتنفيذها (( .
اما في مجال التحكيم بين الدول والمستثمرين الأجانب، والذي نظمته اتفاقية واشنطن بشأن تسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى والموقعة سنة 1965، والتي انضمت إليها السعودية سنة 1980م، فقد قررت هذه الاتفاقية بأن أحكام التحكيم التي تصدر تحت مظلة المركز الدولي لفض منازعات الاستثمار والذي أنشأته الاتفاقية المذكورة لا يمكن الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن أمام أية جهة قضائية وطنية وتلتزم الدول الأطراف في الاتفاقية بالاعتراف بأحكام التحكيم الصادرة تحت مظلة المركز الدولي على اعتبار أنها أحكام ملزمة، وتلتزم هذه الدول بتنفيذ النتائج المالية المترتبة على إقليمها كما لو كانت أحكاماً وطنية صادرة عنها مع إعمال القواعد الخاصة بحصانة الدولة ضد إجراءات التنفيذ. كما قررت الاتفاقية المذكورة أن تختص لجنة خاصة يتم تكوينها من قبل رئيس المجلس الإداري للمركز الدولي لفض منازعات الاستثمار، الذي هو في الوقت ذاته رئيس البنك الدولي، بنظر الطعن ببطلان التحكيم ( ) .
و هذا ما يمكننا ان نراه في مجال عقود نقل التكنولوجيا وحسم النزاعات التي تنشأ حول هذه العقود واكثرا تحديدا في الشركات المتعددة الجنسيات و المشروعات المشتركة ، حيث اذا كان حكم التحكيم من احكام الالتزام يوجب على القاضي الوطني تنفيذه بعد ممارسة الرقابة عليه للتأكد من ملائمته لقانون دولته و هذا ما سنراه في المبحث القادم من دراسة هذا الموضوع ، اما بالنسبة لاحكام التحكيم الخاضعة للمركز الدولي في تسوية منازعات الاستثمارات فانها لا تخضع لرقابة القضاء الوطني وينفذ تلقائيا بعد صدوره .
المبحث الثاني
عوائق تنفيذ الحكم وبطلانه داخل القضاء الوطني
يصدر حكم التحكيم الاجنبي بناء على نزاع ينشأ بين اطراف عقد نقل التكنولوجيا حول العقد ، وهذا الحكم قد يكون لمصلحة الطرف المورد للتكنولوجيا او لمصلحة الطرف المستورد للتكنولوجيا ، ولا بد من تنفيذ الحكم داخل القضاء الوطني للطرف الذي صدر الحكم ضده ليرتب اثاره ، وان هذا التنفيذ للحكم قد يواجه عوائق تحول دون امكانية تنفيذه داخل اقليم الدولة مما يؤدي الى بطلان هذا الحكم دون تنفيذه وهذا سنتطرق اليه في هذا المبحث .
المطلب الاول : عوائق تنفيذ الحكم في القضاء الوطني
يفترض تنفيذ حكم صدر في الخارج او قرار تحكيمي ان يكون معترفا به من قبل السلطة الوطنية ، وهذا الدور يعهد به الى السلطات القضائية ، ويخضع الاعتراف بالحكم التحكيمي الصادر في المجال الدولي الى ضرورة توافر شرطين ينص عليهما قانون الدولة كالقانون الفرنسي ، الاول وجود الحكم و الثاني عدم مخالفته لقواعد النظام العام الدولي ( ) . فالحكم التحكيمي بناءا على ذلك يمثل عائقا امام تنفيذه داخل القضاء الوطني للدولة المطلوب تنفيذ الحكم على اقليمها . و ينبغي التمييز بين العتراف بالحكم وتنفيذه ، فالحكم الذي يطلب الاعتراف به لا يخضع ابدا لعملية تنفيذ جبرية له ، وان الامر يتعلق بمجرد حصول على الاعتراف بوجوده فقط ، انها حالة القرارات التي تمثل طابعا سلبيا فقط أي التي ترفض جزءا من طلبها و هذا الطرف الذي يحصل على هذا الرفض يرغب في ان يعارض به خصمه في أي لحظة كانت ، ويكون هذا الاعتراف في الغالب بصفة عرضية يحدث بمناسبة قضية معينة من اجل دحض ادعاء المدعي و هذا الاعتراف هو من اختصاص كافة المحاكم ، سواء كانت من القانون العام او الاستثنائي وهو لاينفصل ابدا عن القرار الرئيسي ، فقد ابرمت اتفاقيات دولية من اجل تنظيم مسألة الاعتراف بالاحكام الصادرة في الخارج ، للدول المنضمة الى هذه المعاهدات او الاتفاقيات مثل اتفاقية "
جنيف " لسنة 1927 ، واتفاقية "نيويرك" لسنة 1958 ، واتفاقية "واشنطن" لسنة 1965 و التي تتعلق بحل النزاعات المتعلقة بالاستثمارات ، و لكن مشكلة الاعتراف تظهر عندما تكون احد البلدان موقعة على فقط على الاتفاقية دون البلد الاخر ، وهذا هو الغالب الاعم في عقود نقل التكنولوجيا ، فالبلد المتلقي للتكنولوجيا و الذي سوف ينفذ الحكم على اراضيه هو غير موقع على اتفاقية بهذا الخصوص ، وان هذه المسالة يختلف تناولها حسب البلد و لا يوجد هناك أي اجراء موحد و انما اجراءات متعددة وحسب الاتفاقيات التي تناولت موضوع تنفيذ الاحكام الاجنبية ، قد نصت اتفاقية نيويورك على ان الاعتراف بالحكم و تنفيذه يجب ان يكون طبقا لقواعد الاجراءات داخل الاقليم الذي يطلب فيه بالاعتراف او التنفيذ لذلك الحكم ، وعمليا تحيل هذه الاحكام الى القواعد الخاصة بتنفيذ الاحكام الصادرة في الخارج – خارج دول الاعضاء – او في حالة غياب تلك القواعد فبالاحالة الى قواعد القانون العام المتعلقة بتنفيذ الاحكام الوطنية ( ) . و كذلك من عوائق تنفيذ الحكم هو خضوعه للرقابة القضائية ، حيث يقوم القضاء بممارسة هذه الرقابة و هو في حالات الطعن بالقرارات التحكيمية قضاء دولة مركز التحكيم ، فتخضع المراجعة عند ذلك الى الاحكام القانونية في هذه الدولة و هي في حالة الصيغة التنفيذية قضاء الدولة التي يطلب تنفيذ القرار التحكيمي على اقليمها وعند الطعن بقرار منح الاعتراف او الصيغة التنفيذية مع مراعاة المعاهدات الدولية في هذا المجال و بالتحديد معاهدة نيويورك لسنة 1958 ( ) .
ونحن نرى من وجهة نظرنا المتواضعة ان خضوع الحكم الاجنبي او القرار التحكيمي لرقابة القضاء يشكل عائق مؤقت يحول دون تنفيذه بسبب المدة الزمنية المطلوبة لهذه الرقابة و خاصة اذا كان العقد أي عقد نقل التكنولوجيا يتطلب سرعة في التنفيذ لتفادي ما يؤدي اليه من اشكالايات لها اثرها على الدولة المستوردة للتكنولوجيا بسسب حاجتها الماسة للتكنولوجيا في بناء اقتصادها الوطني ، كما يعتبر مخالفة الحكم للنظام العام للدولة سبب في عدم امكانية تنفيذه داخل اقليم الدولة المطلوب فيها تنفيذ حكم المحاكم الاجنبية او الحكم التحكيمي مما يترتب عليه مراجعة الحكم من قبل الجهة التي اصدرته لايتلائم مع النظام العام للدولة المطلوب تنفيذه فيها حتى يرتب اثاره القانونية .
المطلب الثاني : بطلان الحكم التحكيمي في القضاء الوطني .
تناولنا في المطلب السابق بيان العوائق التي تعترض الحكم الاجنبي داخل القضاء الوطني للدولة مما تمنع تنفيذه بصورة مؤقتة وتأخر اجراءات تنفيذه بالسرعة المطلوبة مقارنة مع احكام القضاء الوطني التي تصدر من المحاكم الداخلية للدولة ، لذا سنتناول في هذا المطلب بطلان الحكم داخل القضاء الوطني للدولة المطلوب تنفيذه فيها والتي هي طرف في عقد نقل التكنولوجيا . اعطت اتفاقية نيويورك لسنة 1958 للمطلوب التنفيذ ضده الحق في رفض طلب تنفيذ الحكم مما يترتب عليه بطلان الحكم التحكيمي في اقليمها عند وجود احد الاسباب التالية التي نصت عليها هذه الاتفاقية وهي :
أ) نقص اهلية احد اطراف اتفاق التحكيم وفقا للقانون الواجب التطبيق بشأنها ، او بطلان اتفاق التحكيم وفقا للقانون الذي يسري عليه ، او فقا لقانون الدولة التي صدر فيها قرار التحكيم حينما لا يوجد اتفاق على قانون اخر .
ب) الاخلال بحقوق المدعي عليه في الدفاع ، كأن لم يعلن بتعيين المحكم او بافتتاح اجراءات التحكيم او استحال عليه لسبب او لأخر تقديم دفاعه .
جـ ) عدم مراعاة قرار التحكيم لاتفاق التحكيم كأن فصل في نزاع لم يشير اليه الاتفاق .
د ) تشكيل هيئة التحكيم و اجراءاته مخالفا لاتفاق التحكيم ( ) .
حيث يظهر من اتفاقية نيويورك ان حكم التحكيم يعتبر باطلا بالنسبة للقانون الدولي و القانون الوطني لأحد اطراف النزاع ورده لعد امكانية تنفيذه .
كما يقع بطلان حكم التحكيم داخل القضاء الوطني عندما يتبين للقضاء اهمال الهيئة التحكيمة للبيانات الجوهرية الواجب ذكرها في قرارها الذي ينهي الخصومة ، وفي هذا الشان تختلف التشريعات في تحديد هذه البيانات الجوهرية التي يترتب على غيابها بطلان الحكم مثل تسبيب الحكم و تناقض حيثياته و توقيعه من الاكثرية او من رئيس هيئة التحكيم حسب الحال وذكر تاريخ ومكان صدوره او توشيحه بالعبارة التي تتوج بها احكام القضاء مثل عبارة .. باسم الشعب او عبارة باسم جلالة الملك ، كما يبطل هذا الحكم اذا شابه عيب جوهري أنعكس على الحكم او الحق ضررا باحد الخصوم او اذا كان قائما على
اجراءات باطلة كانت مؤثرة بالحكم كالخبرة الفاسدة او كان ينطوي على مخالفة من شأنها عدم تحقيق الغاية من الاجراء كعدم صحة التمثيل ( ) . كذلك يعتبر الحكم باطلا في القضاء الوطني اذا انتهت مدة التحكيم أي ان هذه المدة حددت في الاتفاق و لم تقوم الهيئة التحكيمية باصدار حكمها ، مما يعني أن المحكم ملزم بإصدار حكمه خلال المدة الممنوحة له فإن وجدت المحكمة المختصّة أن المحكم قد تأخّر عن إصدار حكمه في هذه المدة فليس أمامها إلاّ أن تحكم ببطلان الحكم إلاّ إذا تبيّن لها إتفاق أطراف التحكيم على تمديد المدة فترة إضافي قبل انتهاء المدة المتّفق عليها في وثيقة إتفاق التحكيم، مع ملاحظة أن الحكم الذي صدر بعد انتهاء فترة التحكيم لا ينسحب أثره إلى الأحكام القطعية التي صدرت أثناء فترة الإتفاق، كما أن انقضاء أجل الإتفاق لا يعني بطلانه، وإنما يجعله غير صالح لإصدار حكم تحكيم ( ) .
كذلك يبطل الحكم التحكيمي في القضاء الوطني اذا كان موضوع القرارلا يجوز التحكيم فيه وفقا للقانون الدولة التي ينفذ فيها الحكم التحكيمي ، واذا كان الحكم التحكيمي يتعارض مع النظام العام للدولة المطلوب تنفيذه فيها ( ) .
ونرى من خلال ما بيناه الى ان احكام المحاكم الاجنبية و احكام التحكيم في مجال منازعات عقود نقل التكنولوجيا لا تنفذ في اقليم الدولة التي صدر قرار الحكم ضدها اذا توفرت اسباب البطلان التي عرضناه فيما سبق ، فاذا لم يتوافر أي سبب من اسباب البطلان فانها تنفذ تلقائيا داخل اقليم الدولة .
الخاتمة
لعبت التكنولوجيا دورا فعالا في مجال تنمية العلاقات الاقتصادية بين الدول و خاصة الدول النامية التي هي في حاجة ماسة للتكنولوجيا في بناء اقتصادها الداخلي و تضيق الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة ، حيث تربط هذه الدول ببعضها البعض في مجال التكنولوجيا بعقود تبرم بينهما لنقل المعرفة الفنية ، مما قد يترتب حدوث نزاعات بينهما حول هذه العقود ، ويتفق الاطراف على محكمة اجنبية تابعة للطرف المورد او المستورد للتكنولوجيا لنظر او لهيئة تحكيمة لحسم النزاعات بينهما و هذا ما تناولناه في بحثنا هذا . و بعد ان عرضنا هذا الموضوع وبيناه بشيء من الدقة توصلنا من خلاله الى جملة من اهم النتائج و التوصيات نقترح على ذوي الشان في المجال القانوني باخذها بعين الاعتبار .
ومـــــن اهـــــم هـــذه النتــائـــج هـي :
1- لكي تنفذ احكام المحاكم الاجنبية في الدولة المطلوب تنفيذ الحكم على اقليمها ، لا بد من صدور امر بالتنفيذ من الجهة المختصة في هذه الدولة على تنفيذها .
2- ان الدولة المطلوب تنفيذ الحكم على اقليمها – هي احد طرف النزاع – لا تحتاج الى ان تصدر امر بتنفيذ الحكم اذا كان الحكم صادرا تحت مظلة المركز الدولي لفض ننزاعات الاستثمار .
3- يترتب على صدور الامر بتنفيذ الحكم الاجنبي اضفاء صبغة حجية الامر المقضي به ، مما يرتب جميع اثاره القانونية .
4- ان خضوع الاحكام الاجنبية الى رقابة القضاء الوطني يشكل عرقلة مؤقتة تسبق عملية تنفيذ الحكم داخل اقليمها ، وهذا غير مقبول اذا كان الحكم من الاحكام المستعجلة ( ضرورة تنفيذها ) التي تتطلب سرعة في التنفيذ .
اما اهم التوصيات التي توصلنا اليها في دراسة هذا الموضوع فيمكن حصرها بمايلي :
1- عدم اللجوء الى التحكيم لحل مثل هذه النزاعات ، نظرا لما قد يشكله التحكيم من خطورة في حكمه ضد الطرف الذي صدر الحكم ضده .
2- اعطاء القضاء الوطني للطرف المستورد للتكنولوجيا حق الفصل في نزاعات هذه العقود ، حتى لايقع هذا الطرف تحت مرحمة مورد التكنولوجيا ، لحاجته الماسة لها وقبوله بكل حكم يصدر بناء على ذلك .
3- وضع تشريعات قانونية دقيقة على المستوى الدولي و على المستوى الوطني للدولة في حسم هذه النزاعات دون ترك ذلك للقواعد العامة او للمعاهدات و الاتفاقيات غير المتكافئة في اطرافها .
المراجع
الــكــتــب :
1- جعفر مشيمش ، التحكيم في العقود الادارية و المدنية و التجارية و اسباب بطلان القرار التحكيمي واثاره ، الطبعة الاولى ، بيروت مكتبة زين الحقوقية و الادبية ، 2009.
2- صالح بن بكر الطيار ، العقود الدولية لنقل التكنولوجيا ، الطبعة الثانية ، بيروت : دار بلال ، 1999 .
3- عز الدين عبدالله ، القانون الدولي الخاص ، الطبعة الاولى ، الجزء الثاني ، القاهرة : دار الكتب القانونية ، 1977 .
4- عكاشة عبد العال ، الانابة القضائية في نطاق العلاقات الخاصة الدولية ، بيروت : الدار الجامعية ، 1992 .
5- عبد الفتاح بيومي ، النظام القانوني لتنفيذ الاحكام الاجنبية في مصر ، القاهرة : دار الكتب القانونية ، 2007 .
6- مصلح احمد الطراونة ، قانون التجارة الدولي : دراسة نظرية تحليلية لقانون التجارة الدولي و علاقتة بالقانون الدولي الخاص ، عمان : دار رند للنشر ، 2001 .
الابحاث و المجلات :
1- أشجان فيصل شكري داوود، الطبيعة القانونية لحكم التحكيم و اثاره وطرق الطعن به : دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير منشورة على موقع ، 2008 .
2- جاد محمد ، دور الارادة في التحكيم التجاري الدولي : دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير منشورة على موقع 2010 .
3- علي عوض ناصر ، رقابة القضاء اليمني على احكام التحكيم الدولي في مجال منازعات الاستثمار ، ورقة عمل منشورة على موقع ، 2013 .
4- فؤاد ديب ، تنفيذ احكام التحكيم الدولي بين البطلان والكساء في الاتفاقيات الدولية و التشريعات العربية ، القسم الاول ، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية و القانونية ، الجزء 27 ، العدد (3) ، منشورة على موقع
5- نور حمد الحجايا ، الاعتراف بحجية الحكم القضائي خارج دولته الوطنية : دراسة مقارنة في القانونونين الفرنسي و الاردني ، مجلة الشريعة و القانون ، عدد ( 55 ) ، منشورة على موقع
المقـــــالات :
1- حسام ابو حمادة ، تنفيذ احكام التحكيم الاجنبية في ضوء اتفاقية نيويورك