الجذور التاريخية لحقوق الانسان"
دوّن أور ـ نامو، ملك أور، ما يُعتبر
جدلاً المخطوطة القانونية الأولى حوالي عام 2050 قبل الميلاد. كما تم تدوين
عدداً من المجموعات القانونية الأخرى في بلاد ما بين النهرين بما فيها
شريعة حمورابي (حوالي عام 1789 قبل الميلاد) والتي هي واحدة من أفضل
الأمثلة المحفوظة على هذا النوع من الوثائق، فهي تعرض أحكاماً لمختلف
القضايا وعقوبات في حال خرق هذه الأحكام، بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق
الطفل وحقوق الأرقاء. وأسست الإمبراطورية الفارسية مبادئ غير مسبوقة في
مجال حقوق الإنسان في القرن السادس قبل الميلاد في ظل حكم سايروس العظيم.
فبعد غزوه لبابل عام 539 قبل الميلاد، أصدر الملك ما عُرف بمدونة سايروس
والتي اكتشفت عام 1879 وتم الاعتراف بها اليوم من قبل الكثير كأول وثيقة
لحقوق الإنسان. وقد أُعلن في المدونة أنه من المسموح لمواطني الإمبراطورية
مزاولة شعائرهم الدينية بحرية. وتم فيها أيضاً إلغاء العبودية، لذا بُنيت
كل قصور ملوك فارس من قبل عمال مأجورين في عصر كان فيه العبيد هم من يقومون
بمثل هذه الأعمال. وقد انعكس هذين العملين الإصلاحيين في كتب الأخبار
التوراتية وعزرا التي جاء فيها أن الملك سايروس حرّر أتباع اليهودية من
العبودية وسمح لهم بالعودة إلى ديارهم. وتقبع المدونة الآن في المتحف
البريطاني، وهناك نسخة منها طبق الأصل في مقر الأمم المتحدة.بعد ثلاثة
قرون، أسست الإمبراطورية المورينية في الهند القديمة مبادئ لم يسبق لها
مثيل في مجال الحقوق المدنية في القرن الثالث قبل الميلاد في عهد أشوكا
العظيم. فبعد غزوه الوحشي لكالينجا حوالي عام 265 قبل الميلاد، أحس أشوكا
بندم كبير لما اقترفته يداه، ونتيجة لذلك اعتنق البوذية، وأصبح يُدعى
"أشوكا الورع" بعد أن كان يُدعى "أشوكا القاسي". وقد قاد أشوكا خلال حكمه
سياسة رسمية لا عنفية (Ahimsa)، وألغى ذبح الحيوانات غير الضروري أو
تشويهها، مثل رياضة الصيد والوسم. كما أظهر أشوكا رحمة تجاه السجناء فسمح
لهم بقضاء يوم كل سنة خارج السجن، وفتح التعليم المجاني للمواطنين. وقد
عامل أشوكا رعاياه على قدم المساواة بغض النظر عن أديانهم أو سياساتهم أو
طوائفهم، وشيد مستشفيات مجانية للبشر والحيوانات على حد سواء. كما حدد
المبادئ الرئيسية للاعنف، والتسامح مع كل الطوائف والآراء، وطاعة الوالدين،
واحترام المعلمين والكهنة، والسخاء تجاه الأصدقاء، والمعاملة الإنسانية
للخدم (العبودية لم تكن موجودة في الهند في ذلك الوقت)، والسماحة في النفس
تجاه الجميع. لقد تم تدوين كل هذه الإصلاحات في مراسيم أشوكا.وفي أمكنة
أخرى، موضعت المجتمعات بدايات حقوق الإنسان في الوثائق الدينية. فالفيدا
والتوراة والقرآن ومقتطفات من كتابات كونفوشيوس هي بعض من المصادر الأقدم
المدونة التي تعالج قضايا واجبات الناس وحقوقهم ومسؤولياتهم.عام 1215 أصدر
جون عاهل إنكلترا الوثيقة العظمى (Magna Carta) التي فرضها عليه البابا
والبارونات الإنكليز والتي تتطلب منه التخلي عن بعض الحقوق واحترام بعض
الإجراءات القانونية والموافقة على أن إرادة الملك يمكن أن تُحدّ بواسطة
القانون. ورغم أن الوثيقة بذاتها لم تحدد سلطة الملك في العصور الوسطى، إلا
أن إعادة تأويلها المتأخر في العهود الإيليزابيثية والستيوارتية أسسها
كوثيقة فعالة في أي قانون دستوري في بريطانيا أو أمكنة أخرى.في القرن
الثامن عشر، في أوروبا، عرض عدة فلاسفة، وأبرزهم جون لوك، وحاججوا دفاعاً
عن مفهوم الحقوق الطبيعية التي تخص بها الطبيعة الإنسان لكونه كائناً
بشرياً، وليس استناداً إلى مواطنيته في بلد معين أو دين أو مجموعة عرقية.في
ذلك القرن، قامت ثورتان كبيرتان: في الولايات المتحدة الأمريكية (1776)
وفي فرنسا (1789). ويتضمن إعلان الاستقلال الأمريكي مفاهيم عن الحقوق
الطبيعية ويصرح بأن "كل الناس مخلوقون سواسية، وأن خالقهم وهبهم بعض الحقوق
غير القابلة للتحويل، منها حق الحياة والحرية والسعي إلى السعادة".وبصورة
مشابهة، يحدد إعلان حقوق الإنسان والمواطن مجموعة من الحقوق الفردية
والجماعية للناس، ويتمسك بكونها عالمية، حيث يضع حقوقاً أربعة أساسية، ليس
للمواطنين الفرنسيين وحسب، بل لكل البشر دون استثناء.وفي القرن الثامن عشر،
توسع بعض الفلاسفة، مثل توماس بين وجون ستيوارت ميل وهيغل، في موضوع
العالمية. ولربما كان المعاصر هنري ديفيد ثورو، الذي كتب عن حقوق الإنسان
في أطروحته "حول واجب العصيان المدني"، هو أول من أطلق هذه التسمية.وقد
نجحت بعض المجموعات والحركات في تحقيق تغييرات اجتماعية عميقة على امتداد
القرن العشرين تحت مسمى حقوق الإنسان. ففي أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية
انتزعت الاتحادات العمالية قوانيناً تمنح العمال حق الإضراب وشروط عمل
أفضل ومنع أو تنظيم عمالة الأطفال. كما كسبت حركة حقوق المرأة معركة نيل
المرأة الحق في التصويت للكثير من النساء. ونجحت حركات التحرر الوطنية في
الكثير من البلدان في طرد الاستعمار. وكان أحد أكثر الفاعلين المهاتما
غاندي المناضل من أجل تحرير أمته الهندية من الحكم البريطاني. كما نجحت
حركات معبرة عن أقليات دينية أو عرقية مضطهدة منذ أمد طويل في العديد من
أنحاء العالم، من بينها حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة
الأمريكية.
دوّن أور ـ نامو، ملك أور، ما يُعتبر
جدلاً المخطوطة القانونية الأولى حوالي عام 2050 قبل الميلاد. كما تم تدوين
عدداً من المجموعات القانونية الأخرى في بلاد ما بين النهرين بما فيها
شريعة حمورابي (حوالي عام 1789 قبل الميلاد) والتي هي واحدة من أفضل
الأمثلة المحفوظة على هذا النوع من الوثائق، فهي تعرض أحكاماً لمختلف
القضايا وعقوبات في حال خرق هذه الأحكام، بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق
الطفل وحقوق الأرقاء. وأسست الإمبراطورية الفارسية مبادئ غير مسبوقة في
مجال حقوق الإنسان في القرن السادس قبل الميلاد في ظل حكم سايروس العظيم.
فبعد غزوه لبابل عام 539 قبل الميلاد، أصدر الملك ما عُرف بمدونة سايروس
والتي اكتشفت عام 1879 وتم الاعتراف بها اليوم من قبل الكثير كأول وثيقة
لحقوق الإنسان. وقد أُعلن في المدونة أنه من المسموح لمواطني الإمبراطورية
مزاولة شعائرهم الدينية بحرية. وتم فيها أيضاً إلغاء العبودية، لذا بُنيت
كل قصور ملوك فارس من قبل عمال مأجورين في عصر كان فيه العبيد هم من يقومون
بمثل هذه الأعمال. وقد انعكس هذين العملين الإصلاحيين في كتب الأخبار
التوراتية وعزرا التي جاء فيها أن الملك سايروس حرّر أتباع اليهودية من
العبودية وسمح لهم بالعودة إلى ديارهم. وتقبع المدونة الآن في المتحف
البريطاني، وهناك نسخة منها طبق الأصل في مقر الأمم المتحدة.بعد ثلاثة
قرون، أسست الإمبراطورية المورينية في الهند القديمة مبادئ لم يسبق لها
مثيل في مجال الحقوق المدنية في القرن الثالث قبل الميلاد في عهد أشوكا
العظيم. فبعد غزوه الوحشي لكالينجا حوالي عام 265 قبل الميلاد، أحس أشوكا
بندم كبير لما اقترفته يداه، ونتيجة لذلك اعتنق البوذية، وأصبح يُدعى
"أشوكا الورع" بعد أن كان يُدعى "أشوكا القاسي". وقد قاد أشوكا خلال حكمه
سياسة رسمية لا عنفية (Ahimsa)، وألغى ذبح الحيوانات غير الضروري أو
تشويهها، مثل رياضة الصيد والوسم. كما أظهر أشوكا رحمة تجاه السجناء فسمح
لهم بقضاء يوم كل سنة خارج السجن، وفتح التعليم المجاني للمواطنين. وقد
عامل أشوكا رعاياه على قدم المساواة بغض النظر عن أديانهم أو سياساتهم أو
طوائفهم، وشيد مستشفيات مجانية للبشر والحيوانات على حد سواء. كما حدد
المبادئ الرئيسية للاعنف، والتسامح مع كل الطوائف والآراء، وطاعة الوالدين،
واحترام المعلمين والكهنة، والسخاء تجاه الأصدقاء، والمعاملة الإنسانية
للخدم (العبودية لم تكن موجودة في الهند في ذلك الوقت)، والسماحة في النفس
تجاه الجميع. لقد تم تدوين كل هذه الإصلاحات في مراسيم أشوكا.وفي أمكنة
أخرى، موضعت المجتمعات بدايات حقوق الإنسان في الوثائق الدينية. فالفيدا
والتوراة والقرآن ومقتطفات من كتابات كونفوشيوس هي بعض من المصادر الأقدم
المدونة التي تعالج قضايا واجبات الناس وحقوقهم ومسؤولياتهم.عام 1215 أصدر
جون عاهل إنكلترا الوثيقة العظمى (Magna Carta) التي فرضها عليه البابا
والبارونات الإنكليز والتي تتطلب منه التخلي عن بعض الحقوق واحترام بعض
الإجراءات القانونية والموافقة على أن إرادة الملك يمكن أن تُحدّ بواسطة
القانون. ورغم أن الوثيقة بذاتها لم تحدد سلطة الملك في العصور الوسطى، إلا
أن إعادة تأويلها المتأخر في العهود الإيليزابيثية والستيوارتية أسسها
كوثيقة فعالة في أي قانون دستوري في بريطانيا أو أمكنة أخرى.في القرن
الثامن عشر، في أوروبا، عرض عدة فلاسفة، وأبرزهم جون لوك، وحاججوا دفاعاً
عن مفهوم الحقوق الطبيعية التي تخص بها الطبيعة الإنسان لكونه كائناً
بشرياً، وليس استناداً إلى مواطنيته في بلد معين أو دين أو مجموعة عرقية.في
ذلك القرن، قامت ثورتان كبيرتان: في الولايات المتحدة الأمريكية (1776)
وفي فرنسا (1789). ويتضمن إعلان الاستقلال الأمريكي مفاهيم عن الحقوق
الطبيعية ويصرح بأن "كل الناس مخلوقون سواسية، وأن خالقهم وهبهم بعض الحقوق
غير القابلة للتحويل، منها حق الحياة والحرية والسعي إلى السعادة".وبصورة
مشابهة، يحدد إعلان حقوق الإنسان والمواطن مجموعة من الحقوق الفردية
والجماعية للناس، ويتمسك بكونها عالمية، حيث يضع حقوقاً أربعة أساسية، ليس
للمواطنين الفرنسيين وحسب، بل لكل البشر دون استثناء.وفي القرن الثامن عشر،
توسع بعض الفلاسفة، مثل توماس بين وجون ستيوارت ميل وهيغل، في موضوع
العالمية. ولربما كان المعاصر هنري ديفيد ثورو، الذي كتب عن حقوق الإنسان
في أطروحته "حول واجب العصيان المدني"، هو أول من أطلق هذه التسمية.وقد
نجحت بعض المجموعات والحركات في تحقيق تغييرات اجتماعية عميقة على امتداد
القرن العشرين تحت مسمى حقوق الإنسان. ففي أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية
انتزعت الاتحادات العمالية قوانيناً تمنح العمال حق الإضراب وشروط عمل
أفضل ومنع أو تنظيم عمالة الأطفال. كما كسبت حركة حقوق المرأة معركة نيل
المرأة الحق في التصويت للكثير من النساء. ونجحت حركات التحرر الوطنية في
الكثير من البلدان في طرد الاستعمار. وكان أحد أكثر الفاعلين المهاتما
غاندي المناضل من أجل تحرير أمته الهندية من الحكم البريطاني. كما نجحت
حركات معبرة عن أقليات دينية أو عرقية مضطهدة منذ أمد طويل في العديد من
أنحاء العالم، من بينها حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة
الأمريكية.